top of page
shababiksd

الأزمة المعقدة في السودان: خطاب الكراهية، ونذر الحرب الأهلية، والمجاعة الوشيكة وخطر الإرهاب


مقال

 اتخذت الحرب في السودان منعطفًا مؤلمًا مع ظهور مقطع فيديو منتشر على نطاق واسع يظهر جنودًا مسلحين يرتدون زي القوات المسلحة السودانية، وهم يحملون رأسين مفصولين عن جسديهما لشابين سودانيين من مدينة "ود الحداد" جنوب ولاية الجزيرة، قادمين من أحدى دول غرب افريقيا حيث كانا يعملان هناك، زعم العسكريون الذين ارتكبوا تلك الجريمة البشعة وظهروا في المقطع المصور أن الضحايا أفراد من قوات الدعم السريع..  أدى هذا الحادث، إلى جانب الخطاب التحريضي من مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية الجنرال ياسر العطا، إلى تصعيد التوترات بين بعض القبائل والاثنيات السودانية، مما أثار مخاوف بشأن احتمال تحول الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى حرب أهلية واسعة النطاق. خطاب الكراهية يضخم العداوات القبلية:  وأدى الفيديو الذي انتشر انتشارا كبيرا إلى تأجيج خطاب الكراهية، مما ساهم في استقطاب حاد بين عدد من القبائل السودانية.  وقد أدى تصريح العطا الاستفزازي بشأن ملاحقة أعراق معينة في مراعيهم وصحاريهم ومزارعهم إلى تأجيج العداوات، واستهدف هذا الخطاب بصورة ضمنية مكونات اجتماعية محددة يقول عنها أنصار الحرب من مؤيدي القوات المسلحة أنهم يشكلون حواضن اجتماعية لقوات الدعم السريع مما أدى إلى خلق وضع ملتبس بشأن إلحاق عقاب جماعي بمجموعات سكانية غير منخرطة في الحرب، وأذ أقول ذلك، فأنا لا ألقي القول على عواهنه جزافا، فقد أعقبت تصريحات العطا تلك، حملات قصف جوي عشوائي على حاضرة شرق داروفور "الضعين"  بالبراميل المتفجرة. في المقابل وعلى الرغم من الخطاب الذي يبدو منضبطا إلى حد كبير من قيادة قوات الدعم السريع،إلا أن واقع الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية التي تقوم بها هذه القوات في ولاية الجزيرة، وقبلها في الخرطوم والجنينة وزالنجي يخالف بدرجة كبيرة هذا الخطاب الذي يوصف بأنه إيجابي، ويساهم ذلك بنبسبة كبيرة في تغذية خطاب الكراهية ويعزز طرديا سرديات خطاب الطرف الآخر الذي يقوم على تجريم لكامل المكونات الاجتماعية التي ينتمي إليها معظم أفراد قوات الدعم السريع.  ويشكل خطر تفاقم التوترات القبلية خطرا جسيما، مما يجعل الصراع أكثر تعقيدا وربما يتصاعد إلى حرب أهلية واسعة النطاق.   أزمة المجاعة:  وبعيداً عن التهديد المباشر بالعنف، فإن السودانيين مقبلون على كارثة إنسانية تلوح في الأفق، وهي خطرالمجاعة الذي يهدد ملايين المواطنين.  وتشير التقارير إلى أن المجاعة وشيكة الحدوث في العديد من المناطق بالفعل، مما سيؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح.  وفي أكتوبر 2023، توفي 43 سوداني جوعا في مخيمات اللاجئين شرق تشاد.  وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من 18 مليون شخص في السودان يواجهون مستويات طارئة من الجوع، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة للتدخل الدولي والمساعدات الإنسانية. وتقول تقارير لبرنامج الغذاء العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة أن 5 ملايين سوداني على شفا المجاعة، وهو ثاني أسوأ تصنيف في العالم يعتمده برنامج الغذاء العالمي لحالات الطوارئ بعد تصنيف المجاعة. أيضا، يزيد من حدة أزمة الجوع في السودان إعاقة وصول المساعدات الإنسانية  بواسطة سلطة الأمر الواقع ومنع وصولها للواطنين المحتاجين لهذه المساعدات بصورة عاجلة، وكذلك عدم منح تأشيرات الدخول لموظفي العون الإنساني من منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الطوعية الأخرى وإعاقة حركة الموظفين الموجودين، وكذلك عمليات النهب التي تقوم بها قوات الدعم السريع للبيوت والأسواق والمخازن والمستودعات التابعة للمنظمات العاملة في مجال العمل الإنساني. توقف عملية السلام: يبذل أنصار النظام القديم جهودا كبيرة لأجل استمرار الحرب وحالة الفوضى التي تمر بها البلاد، حتى يتمكنوا من إزالة آثار الفترة التي قامت فيها ضدهم ثورة شعبية أطاحت بسلطتهم بعد استفراد بالحكم دام لثلاثين عام، أذاقوا السودانيين خلالها الويلات والثبور حيث بدأت فترة حكمهم بقطع الطريق على الإجماع الوطني التاريخي للأحزاب السياسية والقوى المدنية والمهنية في السودان على الحل السلمي للحرب الأهلية في الجنوب المتمثل في اتفاقية السلام السودانية. كانت الجبهة الإسلامية القومية هي المكون السياسي الوحيد الرافض للحل السلمي وقتذاك، وواصلت في الحل العسكري إثر انقلابها على النظام الشرعي الدستوري الذي كاننت تمثله الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، وتم بعد اضفاء بعد ديني على الصراع السياسي وسميت الحرب ضد السودانيين في الجنوب بالجهاد الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى انفصال الجنوب بعد أن غمط نظام الاخوان المسلمين حقوقهم المتساوية في المواطنة بدعوى تطبيق الشريعة الاسلامية في البلاد، والتي كان يستخدمها النظام كأداة لتنفيذ برنامجهم السياسي القائم على العنف وإقصاء الآخرين باسم الإسلام، والإسلام من أفعالهم المجرمة براء. وقام تنظيم الاخوان الإجرامي خلال فترة حكمهم المشؤوم أيضا باشعال الحرب في دارفور وجبال النوبة وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وقد أفلحت الحكومة المدنية الانتقالية في عقد اتفاق سلام شمل كل الحركات المسلحة ما عدا الحركة الشعبية شمال السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد النور، فيما كانت الحكومة على تواصل مباشر معهما للوصول إلى سلام شامل.

  إن الفشل في التوصل إلى حل سلمي يزيد من تعميق معاناة الشعب السوداني، الواقع في مرمى نيران الصراع المسلح والمجاعة والمرض والنزوح، ويعرض منطقة القرن الافريقي ذات الهشاشة الأمنية والسياسية إلى خطر الإضطراب السلمي وخطر التعرض للجماعات الإرهابية مثل داعش وبوكو حرام والمجموعات الحليفة الأخرى.  الحاجة الملحة للحل السلمي:  إن تعقيد الأزمة السودانية يتطلب التحول نحو الحل السلمي.  خصوصا بعد أن أثبتت الحلول العسكرية عدم فعاليتها في الصراع الحالي وعبر تاريخ النزاعات المسلحة في السودان، وإن استمرارها يعني استمرار معاناة السكان لمدة قد تكون طويلة، ويعرض استطالة أمد الأزمة السودانية الأمن والسلم الدوليين لخطر الإرهاب الموجود أصلا في المنطقة، وعدم قدرة الدولة في ظل الحرب على مواجهة التحديات العالمية الأخرى مثل الإحتباس الحراري والتغير المناخي ومكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وكذلك التدخل الدولي والإقليمي غير الحميد مما يجعل احتمال تحول الصراع لحروب وكالة طويلة الأمد، يصعب في وجودها الوصول لحلول سلمية.

 مع تعمق الأزمة في السودان، هناك حاجة إلى اهتمام وتدخل دولي عاجل لمساعدة الشعب السوداني في تطلعه نحو السلام والإستقرار ومعالجة التحديات المتشابكة المتمثلة في خطاب الكراهية، والتهديد بالحرب الأهلية، والمجاعة الوشيكة.  إن عملية السلام الشاملة، المبنية على المبادئ المحددة من قبل القوى السياسية الوطنية القائمة على أساس إعادة بناء جيش وطني موحد تدمج فيه قوات الدعم السريع وكل الحركات المسلحة الأخرى وخروج الأجهزة الأمنية والعسكرية من الممارسة السياسية وانهاء حالة تمرد هذه الأجهزة على سلطة الدولة المدنية وخضوعها التام لها، بالإضافة إلى تأسيس نظام مدني ديمقراطي، تكون فيه هذه المباديء  أساسا قويا لمعالجة أسباب  الصراع الحالي ومنع وقوع نزاعات أخرى في المستقبل، وهو أمر بالغ الأهمية لتمهيد الطريق نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لشعب السودان.



الكباشي أحمد عبدالوهاب  باحث في السياسة والعلاقات الدولية

الكباشي أحمد عبدالوهاب

باحث في السياسة والعلاقات الدولية
٣٤٣ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Commentaires


  • Instagram
  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • YouTube
  • TikTok
bottom of page